للوهلة الأولى ظننت أن الموت قد أخطأ العنوان ، وأن من ينبض قلبه بصخب الحياة لا يرحل ويصمت .هكذا وعلى حين غفلة يغادرنا من اعتدنا وهج حضوره ووقع كلماته . هاني نقشبندي من الإعلاميين الذين كانت لهم بصمة في حياتي المهنية خلال 5 سنوات عاصرته كرئيس تحرير مجلة "سيدتي " ، حين كنت مسؤولة تحرير مكتب بيروت آنذاك . عرفته صاحب رؤية ورجل أحلام ، يريد ل"سيدتي" أن تصل إلى مصاف المجلات العالمية ، ولا ينفك ينير الطريق ويوّجه البوصلة في هذا الإتجاه .
كان فارساً في أخلاقه ، ودوداً ، حريصاً على مشاعر فريق عمله ، يداري من دون مهادنة ، تخاف من حجم الثقة التي يوليها حتى تخشى أن تخيبّه . أذكر في أول زيارة له لمكتب بيروت في أواخر التسعينات طلب مني أن أصطحبه في جولة تعارف على أشهر مصممي ومصممات الأزياء في لبنان . ورافقته في جولة "مكوكية" بدءاً من أشهر مصمم أزياء آنذاك وليام خوري وصولاً إلى روبير ابي نادر وفؤاد سركيس . كان معجباً ببيروت عاصمة الأناقة وشهرتها العربية في هذا المجال ، وأراد لصفحات "سيدتي "أن تتزين بإبداعات المصمم اللبناني .لا أنسى كيف كان الأستاذ هاني حريصاً عليّ خلال جولتنا الطويلة ، فكان لا يكّف عن الإعتذار على ما اعتبره رحلة شاقة لامرأة حامل في الأشهر الأخيرة .
ومن بيروت توجهت بعدها إلى لندن حيث لبيت دعوة رئيس التحرير لحضور الإجتماع الأول لمسؤولي تحرير مكاتب سيدتي حول العالم . وتعرفت هناك إلى باقي مزايا هاني نقشبندي الذي حضرشخصياً بسيارته إلى المطار لإصطحابي مع إحدى الزميلات، ولم يرسل السائق أو سيارة أجرة . كان متواضعاً بُرفعة ، مثقفاً بلا ادعاء ، كريماً دون هدر .
كان سعودياً بصبغة عالمية ، كونّياً قبل أن تحوّل الثورة الرقمية العالم إلى قرية صغيرة . "جنتلمان" بكل المعايير وثائراً. نعم ، كان ثائراً منذ أن عرفته كرئيس تحرير ومديري في العمل إلى أن ترجم ثورته في كتبه . أذكر حين تلقيت دعوة منه لتوقيع كتابه "اختلاس" عام 2007 في بيروت ، كان قد غادر موقعه في "سيدتي" قبل سنوات ، وانصرف نحو الكتابة . كانت المرّة الأخيرة التي ألتقي فيها الأستاذ هاني ،أهنئه على روايته قبل أن يترك نقشاً "نقشبندياً "في إهدائه .
كل مرّة كان يسألني: كيف الحال يا سيدة "سيدتي". وأجيبه ضاحكة : بألف خير ... بس اشتقنالك أستاذ هاني ". وها أنا وكل من عرفه من قريب أو بعيد ، سنقول دائماً : سنشتاقك هاني نقشبندي ، فارس الكلمة ونجم الإعلام العربي ورجل المواقف في زمن قّلت فيه الرجال والمواقف.