هي اليوم أوروبا التي طالما تَغنّت بحقوق الإنسان، لم تخجل أمام الكارثة التي حلّت بتركيا وسوريا ولم يخفِ الإتحاد الاوروبي تقديمه المساعدات العسكرية التي وصلت إلى 2.7 مليار دولار لأوكرانيا، بينما لم يُرسل لإغاثة منكوبي الكارثة التي حَلت بتركيا سوى 6 ملايين دولار. مما حدا بالكاتب ديفيد هيرست أن يتساءل في مقالة نشرت في موقع "ميدل ايست آي" البريطاني عن حقيقة القيادة الإنسانية والأخلاقية التي تتباهى أوروبا بها أمام الناس. واستغربَ أكثر من إرسال الدول الأوروبية فرق الإنقاذ بعد مرور 3 أيام على وقوع الزلزال ،لتتم العمليات بشكلٍ بَطيء وكئيب.
وهي أيضا... الصحيفة الساخرة "شارلي إ يبدو" التي اعتادت السخرية من الأديان وخصوصاً من المسلمين، وفي محاولة جديدة لاستجداء الإنتباه، لم تتوان عن السخرية من ضحايا الزلزال بكل حقد وشماتة، نشرت صورة كاريكاتورية تُظهِر مبنى مُهدم ودمار وكتبت في التعليق "لا داعي لإرسال دبابات"أي أن الزلزال فعل بالأبرياء ما يكفي.
وهي أمريكا.. على الجانب الآخر وبلسان وزارة الخارجية تُعلن أنها أرسلت 3.75 مليار دولار مساعدات عسكرية الى أوكرانيا، وتتباهى بأنها أرسلت 85 مليون دولار الى تركيا ووافقت على وقف المقاطعة لسوريا لمدّة محددّة. (مع عدم ملاحظة الفرق بين مساعدات عسكرية ومساعدات إنسانية).
هذه هي مقاييس حقوق الإنسان في الغرب المتحضّر ،كشفتها كارثة حَلت ب 23 مليون شخص من بينهم أطفال وشيوخ في تركيا وسوريا. أما بالنسبة للإعلام التقليدي الذي طالما كان لعبتهم للتغطية على كل مآسي الشرق وفي محاولة لأخذ الإنتباه بعيداً عن الكارثة، كان التركيز على زيارة الرئيس الأوكراني إلى بريطانيا وتباهي وزير الخارجية البريطاني بالمساعدات التي تقدمها للدعم العسكري.
أما في الإعلام الاجتماعي "السوشيال ميديا".. إعلام الناس.. يُسمّونه إعلام الشارع وهو في الحقيقة النبض الصادق، الإعلام الذي لا يعرف مصالح ولا سياسة ،إعلام الشباب المؤمن بالإنسانية الحقيقية. نعم يَجدر بِنا أن نُحييّ كل من نَشر الصور والمقاطع التي وثقّت ما يدور تحت الأنقاض. هذا هو إعلام الحقيقة التي لم يعد باستطاعة أحد أن يخفيها. كان للإعلام الاجتماعي الدور المُشرّف في نشر الوعي وإيقاظ الضمير الغافي ومساعدة المتشردين على إيجاد أُسَرَهم والتواصل معهم في سوريا كما في تركيا. كما ساهم الإعلام الاجتماعي بالحَث على التبرع بالمال والتطوع للمساعدة ،مما دفع مشاهير العالم للمشاركة، فكان أن كتبت الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري على صفحتها مُعبِّرة عن دعمها وتبرعّها لمساعدة المنكوبين. وكذلك فعلت الممثلة أنجلينا جولي ،فكتبت في مجلة "أوب-إد تايم ماغازين" "Op-ed Time Magazine": "علينا أن نتذكر أن الكارثة التي حلّت في تركيا وسوريا ،حلّت في شعب هو أصلا يُكابد من المعاناة، على العالم كله أن يَهب لمساعدتهم". وغيرهم الكثير من المشاهير استجابوا وكتبوا على صفحاتهم في الإعلام الاجتماعي. ومن بريطانيا كتب العالم المعروف الذي أطلق الإنترنت ،تيم برنارند لي "Tim Bernard-Lee" أنه تبرع بمبلغ 100,000 دولار لمساعدة منكوبي الكارثة. أما الممثلة كيم كارداشيان، فقد تبرعت بمبلغ 200,000 دولار ودعت المنظمات العالمية للمشاركة في تقديم المعونة لمن فقدوا بيوتهم. هذا بعض مما تناقلته وسائل الإعلام الاجتماعي من مشاهير في الغرب ،رغم خيبتنا في تعاطي المستوى الغربي الرسمي مع كارثة إنسانية بهذا الحجم.
وهي أيضا البلدان العربية.. خرجت من أثقال خلافاتها.. هبّت للإغاثة فكانت دولة الإمارات السبّاقة حيث قدمت دعمها المالي والتطوعي والمعنوي من خلال زيارة وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد الى سوريا. ويُسجل لهذه الدولة المِعطاءة تخطيها لكل الحواجز من أجل إيصال المعونات الى المحتاجين في كلا البلدين. كما أرسلت السعودية والكويت والبحرين وقطر معونات مادية وعينّية ،وحتى البلدان العربية التي تعاني أصلاً من متاعب اقتصادية لم تتوانى عن المساعدة. هنا رأينا الوجه الإنساني والحضاري لهذه الأمّة. ولم يتوان الإعلام الرسمي كما الإجتماعي عن نقل الصور المُشرِفة والمؤثرة مثل صورة السيدة المَسيحية التي هرعت لتخلع شالها وتغطي شعر جارتها المُسلمة المُحجبة بعد أن سقط حجابها تحت الأنقاض ،وصورة المسلم الذي وجد المسجد مُهدّماً فركع وصلى في الكنيسة ليقول للعالم.. إن الله الواحد يجمعهم.. تحية لهم.
تحية لكل من خلع معطفه ليدفئ متشرداً لا يعرفه.
ندى أحمد جابر
كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية