2024-06-10
"شو يا قشطة " كرسي اعتراف لضحايا التحرش الجنسي
كاتيا دبغي
ينجح المسرح عندما يحرك مسرح الأفكار ، عندما يدفعك إلى ضجيج داخلي تحتاجه لتقضي على هذا الهدوء القاتل الذي يجعلنا نقبل بكل شيء طمعاً فقط بالبقاء في هذه المساحة التي تشبه وطناً ، ولكنها ليست كباقي الأوطان . عندما تشاهد عملاً مسرحياً يُعرف بالكوميديا السوداء تخال أنك ستمضي ساعة من الوقت فيها من الترفيه والضحك وبعض الرسائل، هذا على كثرة ما نرى من تجارب لا نقول أنها مسرحيات ، وتخرج كما دخلت ، لا شيء يعلق في الذاكرة او يحفز المشاعر أو يجعلك في حالة من التساؤل ، من نحن وكيف نفكر ولماذا نعيش ووو....؟؟
بالأمس شاهدت عملاً مسرحياً تحت عنوان "شو يا قشطة " على مسرح مونو ، بنيت توقعاتي على العنوان ـ قد يكون عملاً يستخدم الإيحاءات الجنسية والعناوين الصادمة ليجذب الطعم أي (نحن)، وقد تكون الكاتبة مرت مرور الكرام على موضوع التحرش الجنسي فقط ، لتقول أن مسرحيتها هادفة وأنها تحمل على عاتقها عبء إصلاح المجتمع وتغيير الذهنية .
"شو يا قشطة " مسرحية تروي قصص التحرش الجنسي بمنتهى الواقعية والجرأة على لسان 3 ضحايا يلجأن إلى طبيبة نفسية للمعالجة ورواية حكاياتهن الموجعة والمغلفة بنفحة من الكوميديا ، لنكتشف في سياق العمل أن الطبيبة سينتيا كرم هي أيضاً ضحية ، ضحية الوجع الذي تخلفه قصص مريضاتها، والمفاجأة المتمثلة باكتشاف مغتصب ابنتها في نهاية المسرحية . الكاتبة والممثلة وفاء حلاوي تماهت في مسرحها كتابة وتمثيلاً ، صاغت نصها كما لو كان كرسي اعتراف ، أرادت لضحاياها أن يكن في منتهى الصدق في بوحهن بأسرارهن ، بمشاعرهن ، بمخاوفهن ، ومع هذا الكم من الإعترافات كان لا بد من إقحام الكوميديا بطريقة ذكية لكي لا نغرق في سوداوية الشخصيات ، فضحكنا وبكينا وكان هذا التلاصق الجميل الذي يطمح إليه كل صناع المسرح وجمهوره.
سينتيا كرم ، وفاء حلاوي ، كايتي يونس وسلمى شلبي أحدثن ثورة نسائية على المسرح ، فجّرن مكنونات النفس المكبوتة ، خرجن من سجن الضوابط الإجتماعية سعيا لتحرير أجسادهن من قرف التجربة المريرة ، اتكأن على كتف بعضهن البعض بحثاً عن مساحة الأمان ، تناقشن في كيفية الخروج من شرنقة القشطة وقشورها ، أقحمن الجمهور في لحظات إنسانية غامرة بالتعاطف، لعّل ذروتها كانت من خلال الدموع الحقيقية التي اختتمت بها كل واحدة حكايتها ، ولم تكن تمثيلاً!
3 ضحايا روين قصصهن من قلب مكعباتهن الملونة في إشارة رمزية إلى السجن والشرنقة ، من يومياتهن وذكرياتهن المجبولة بكره الذات ومعاداة الجسد ومعاناته. تطرقن إلى قانون الحماية من التحرش الجنسي في لبنان وما شابه من تشويه في مجلس الذكور (النواب ) ، من خلال تجربة طالبة تتعرض للتحرش من أستاذها في الجامعة وتبدأ في اكتشاف فتاوى القانون 205 الذي يرمي إلى تجريم التحرش الجنسي والصادر عام 2020 في لبنان .
أجمل ما في هذا العمل المسرحي صدقه وبوحه ودفق مشاعر شخصياته ، يأتي المشهد الأخير ليغسل بالمطروالدموع أوجاع نسائه ، تخرج كل ضحية من علبتها التي لم تغادرها مرة ، لتبدأ رحلة اكتشاف الذات والثورة والتصالح مع الجسد .
حسنا فعلت المنتجة ميشال فينيانوس والكاتبة وفاء حلاوي في تسليط الضوء على مشكلة شائعة ولكنها مغلفة بأوراق السيليكون ، لم تبخلا عليها بأعلى سقف للجرأة ، رفعتا السقف إلى ابعد حدود، ونجحتا مع عدسة المخرج رياض شيرازي في تقديم عمل له خلطته السحرية ، مضحك ومبك ، هادف ومسل ، ذكي ومؤثر .


  ميشال فينيانوس


مفاتيح
لبنان
مسرح
مواضيع ذات صلة
مسرحية "خيال صحرا" بين سقف التوقعات وأرض الواقع
جورج خباز وعادل كرم في حوار مفتوح حول مسرحيتهما "خيال صحرا "
"دي جان آرت" تقدم معرض حول"إعادة تصوير الذات" Digital Me
ناديا تلحوق عساف تتبرع بوثيقة تاريخيّة لأرشيف الجامعة الأمريكيّة في بيروت
منارة جديدة في عالم الفن والطبيعة: إفتتاح متحف سلوى روضة شقير في رأس المتن
بسام شليطا يحلق بموسيقاه بين الشرق والغرب في حفل Fantasy Of A Pianist
إطلاق مهرجانات البترون الدولية لصيف 2024 وهؤلاء هم أبرز نجومها
"قاديشا" KDSHA: حدث سنوي في "فيلا شمعون" للاحتفال بالفن والتراث
سمية ولبنان بعلبكي توأم الإبداع في مئوية أم كلثوم
جورج خبّاز وعادل كرم يطرحان الإعلان الرسمي للكوميديا المسرحية "خيال صحرا"
نانسي عجرم نجمة مهرجانات بيبلوس الدولية لصيف 2024
"فصول من يوميات الأزمنة الراهنة" معرض يختصرمسيرة نديم كرم
بيتي توتل تعود بمسرحية Mono Pause
فريد وماهر الصباغ في إبداع جديد "مش بس عالميلاد"
"داعش والقاعدة وصراعهما في الساحل الافريقي": أوّل إصدار لميساء عبد الخالق
إصدارات أدبيّة وروائيّة قريباً في دار هاشيت أنطوان/نوفل
محمد القرقاوي: "نوابغ العرب" تجّسد إيمان محمد بن راشد بالقدرات العربية
رواية إمرأتان لريما سعد في قراءة ممسرحة
كركلا يقيم جسراً من الأجساد الراقصة بين فينيقيا والقرية اللبنانية
كاتبة جزائرية تشغل العالم بروايتها الأولى وتتفوّق على الأمير هاري
فابيانو ميلاني الرسام الذي أدهش العالم بهذه اللوحات
مهدي فنيش كاتب لبناني يتصدّر الصحافة الأميركية