Neetaj

جورج خباز وعادل كرم في مسرحية "خيال صحرا"

2024-08-10

مسرحية "خيال صحرا" بين سقف التوقعات وأرض الواقع

كاتيا دبغي

لم يكن سهلاً على جورج خباز وعادل كرم الإمساك بعصب الصالة الممتلئة بجمهور المسرح في كازينو لبنان من مختلف الفئات والعيون الشاخصة وسط صمت مترقب منذ اللحظة الأولى وحتى الفصل الأخير من مسرحيتهما " خيال صحرا " . الجمهور بعضه سقفه عالي التوقعات والبعض الآخر من المخلصين لتاريخ ومسرح جورج خباز ، أتوا "عالعمياني " ليجددوا الولاء له بعد غياب طويل عن المسرح . من رفع السقف عالياً ، لم يخرج خائباً ، ولكنه سجّل بعض الملاحظات ، ولعّل أبرزها أن فكرة المسرحية ليست بجديدة ، وأن قصص الحرب الأهلية التي عشناها في الثمانينات و التسعينات أصبحت مستهلكة . واللعب على وتر الإختلاف الأيديولوجي والإجتماعي بين الطوائف أصبحت مثل حكاية ابريق الزيت ، نستعيدها في السينما والمسرح والدراما ، وفي كل مرة نُلبسها ثوباً جديداً ، ونجول بها كحكواتي الحرب في حارات الذاكرة . ولكن حكواتي جورج خباز روى على طريقته المميزة حكايا الحرب ، مع زميله عادل كرم ، بمنتهى الواقعية والشاعرية ، مرفقة بنوستالجيا استعادها الحضور ممن واكب تلك المرحلة وعاش طقوسها ، فكان يومىْ موافقاً ، ويضحك مستذكراً ، ويصفق تلقائياً .

في المؤتمر الصحفي الذي سبق المسرحية ، وعدنا جورج خباز وعادل كرم بعمل مسرحي استثنائي ومختلف ومفاجىء ، ولم يخلفا بوعدهما وإن بنسب متفاوتة . ثنائية جورج خباز وعادل كرم حّولت الكوميديا السوداء إلى عالم من الكوميديا الملونّة التي عبثت بمشاعرنا بطريقة تصاعدية ، صاخبة ، سريعة ورشيقة من خلال سيناريو جورج خباز البارع في اللعب على الكلمات وشد العصب . في "خيال صحرا " العلامة الأعلى نعطيها للنص المسرحي السهل الممتنع، والعلامة الموازية لتلقائية جورج خباز وديناميته وطاقته الإبداعية اللامتناهية ، إضافة إلى التناغم والكيمياء بين بطلي العمل ، المحارب المسيحي عادل كرم والمحارب المسلم جورج خباز اللذين نمت صداقتهما " اللدودة " بين متراسيهما المتقابلين ، وجمعتهما قصص الحب ، الحرمان ،عُقد النقص المتراكمة ووصايا الأم الخائفة على ولديها وغيرها من القواسم المشتركة. ووسط كل ما جمعهما في الماضي والحاضر ، لم يكفا عن ذكر ما يفرقهما فكرياً ومناطقياً وفنياً بأسلوب ساخر أضحكنا كثيراً وكاد أن يبكينا أحياناً .

القفزة الزمنية لبلوغ العام 2020 في ربع الساعة الأخيرة من المسرحية كانت سريعة جداً ، بينما الفلاش باك لمرحلة الثمانينات والتسعينات كان طويلاً واحتل الحيّز الأكبر . تعبر الأحداث والمتغيّرات بين الزمنين من خلال عناوين الصحف ونشرات الأخبار في القسم الأخير من المسرحية ، وينتقل بنا بطلا العمل إلى العام 2020 . يتبدل المشهد جذرياً و نرى جورج خباز وعادل كرم قد كبرا في السن ، و تزوجا من حب حياتهما ورزقا بأولاد ولكنهما يعانيان من الوضع الإقتصادي السيء وتدني قيمة الرواتب وعدم القدرة على الإستشفاء وسط عرض شكاوى خاطف ، وقد استبدلا متراسيهما بالعمل على حراسة ماكينات سحب الأموال من المصارف في عز نشوب الأزمة المصرفية في لبنان . تسدل الستارة على مشهد اختفاء عادل كرم ورحيله فيما رفيقه جورج خباز يمضي وحيداً ليؤدي المشهد الأخير أمام عبارة ارتسمت على شاشة كبيرة تختصر كل خيبات الحياة في أزمنتنا اللبنانية : "كنت أحلم بأن أكون قدوة ، ولم أكن أعلم أنني سأصبح عبرة ."

توصية لمن يسألني : هل أعجبتك المسرحية ؟ واختصرها بالكلمات التالية : نعم ، كثيراً ، ممتعة ، مسلية ، ذكية لمن لا يبحث عن ثغرات ويغض النظر كرمى لجمالية العمل ككل وإبداع جورج خباز وعادل كرم !

مفاتيح

مواضيع ذات صلة

جمانة حدّاد في "وصايا شهرزاد الأخيرة " ودعوة إلى التحرر