المرفأ من النافذة (صورة من المكتب)
2023-08-04
"لو"....في 4 آب
كاتيا دبغي
قبل ثلاث سنوات وفي الرابع من آب تمام الساعة السادسة مساء ، في ذلك الحين – لو – لم تكن كورونا قد هجّرتنا قسراً من مكاتبنا وحبستنا بين أربعة جدران، لكنت حينها خلال دوامي في عملي السابق ، داخل مكتبي الذي يواجه المرفأ بصورة مباشرة ،حتى كأنني الآن ، أتذكر عندما أقف قبال النافذة ، أغمض عيني قليلاً لأسترجع بعض الطاقة ، ثم أتأمل وسط بيروت بكل "عجقته". كان زملائي في المكتب يحسدونني علناً على الموقع الإستراتيجي والإطلالة "المفتوحة " على المرفأ والبحر . وأصبحت مع الوقت جارة المكان ، أُصبّحه وأُمسّيه وألتقط مع المدينة أنفاسها كلما تحّرك وسطها ، تارة في تظاهرة وطوراً في ثورة . وأذكر جيدا أنني نزلت ذات يوم من مكتبي إبان ثورة 17 تشرين ، وشاركت النساء اللواتي كن في الشارع الملاصق لمكان عملي في إعداد الطعام للمتظاهرين في ساحات الثورة ، وشعرت أن ما أقدمه قليل جداً ، لهذه المدينة التي منحتني حبا لها يفوق الوصف ، وإحساساً بالتبعية لكل ما يمت إليها بصلة . البوصلة تأخذني باتجاه بيروت ووسطها ، ساحاتها ، مساجدها وكنائسها ، دكاكينها وأرصفتها من أرقى أماكنها إلى أكثرها شعبية ، ومن نافذتي الصغيرة إلى مرفئها ، هنا يكمن العبور اليومي إلى قلب الحياة .
أبعدتني كورونا عن النافذة المتنفس المطّلة على المرفا ، اشتقت حينها المشهد العالق في الذاكرة على مدى سنوات .في زمن الحجر ، نشتاق كل شيء ، دوام العمل ، ازدحام الطرقات ، زمامير السيارات وكل ما يذكرنا بأننا أحياء نرزق على قيد الحياة وأحرار خارج أسوار مخاوفنا وهواجسنا .ولكن ، شاء القدر والإرادة الإلهية أن نهجر مكاتبنا بسبب كورونا والحجر الإلزامي ، قبل أن يتحول المكان إلى ركام ، فتتهّدم النافذة وتتوزع شظاياها في المكتب ويهوي السقف على طاولتي إثر انفجار المرفأ .
بلمحة بصر ، انهارت نافذتي ، وكل حكاياتها والأسرار التي كنت أشاطرها في لحظات شرودي الخاطفة . تبّدد المشهد ونبتت سيناريوهات لا تخلو من الواقعية الشديدة . لو كنت حينها في المكتب ، لقتلتني النافذة إياها التي أحب . لوكنت حينها- وهذا سيناريو آخر – مارة على الطريق الموازي للمرفأ في طريق العودة إلى المنزل ، لكنت حتماً في عداد الضحايا . لو لم تكن كورونا حاضرة ، لغبت عن هذه الحياة غياباً أبدياً . لو لم نكن في منازلنا البعيدة عن المرفأ لكنا في جوار الآخرة أو على مقربة منها .
لو .... لو .... لو . هناك حكمة ربانية في كل ما حدث ويحدث ، ولولاها لما كنت اليوم أكتب هذه السطور. كانت نافذتي رحومة ولم تشأ حرماني من التقاط بقايا المشهد الذي أحب . بقيت حيّة أحزن على من رحل من أبناء المدينة ، ربما هم مثلي كانوا جيران النافذة ويختزنون الكثير من الأسرار .

مواضيع ذات صلة
قصة واقعية بطلتها النجمة "البوتوكسية"
إليسا والوجوه الأخرى ...شكراً نتفليكس
جوع الشهرة Don't get Fomo !
السيد درويش ...هل قتلته المخابرات أم المخدرات ؟!
خمس سنوات مع هاني نقشبندي
وقد يكون الحظ ... امرأة !
من بائعة خضار الى رئيسة وزراء
كاميلا على خطى جدّتها
ياسمين صبري ...الله يصبرك !
عشيقة هتلر السريّة
من جزيرة "بيكيني" المحيط الهادىء إلى "بيكيني " المحيط الغاضب !
رومانسيات قصر باكينغهام
شيرين "نصحانة " أم "ضعفانة" ...ما "خصّكم "؟!
ندين جابر تريد حلاً للحضانة في " للموت"
فخامة الصوت ومعالي الطرب في حضرة سمية
أيام معدودات
ثالثة "للموت " لا نريدها ثابتة و"تصطفل " نادين جابر
طريقها الطويل من أجل يوم
الزلزال الذي أَخرج أثقالها
المثليّة الجنسيّة : دعوة إلى تقبّلها أم الإقبال عليها ؟
من يحاسب تشارلي إبدو Charlie Hebdo؟!
اللقاء الثاني
لماذا ...نتاج ؟
جوائز "جوي أواردز" إضافية !