شكّل الفيلم اللبناني "ع مفرق طريق " للكاتبة والناقدة جوزفين حبشي والمخرجة لارا سابا متنفسّاً للبنانيين الذين يتوقون في هذا الزمن إلى جرعة فكاهة لا تخلو من الرسائل الجميلة والإنسانية .وقد تمكّنت الكاتبة بحسّها النقدي والصحفي من تقديم فيلم مصنوع بحرفيّة واضحة ، صقلت شخصياتها في قوالب مدروسة وقدّمتها في إطار طبيعي خلاّب في الشمال اللبناني . موقع "نتاج" التقى الناقدة والكاتبة جوزفين حبشي، وجال بين أوراقها وفيلمها .
فيلم "ع مفرق طريق" ليس أّول نصوصي السينمائية، ولدّي سيناريوات أخرى جاهزة، ولكّنه أول من سار على طريق التنفيذ والتصوير. السينما والكتابة هما شغفي الكبير، وبدأت مسيرتي المهنية كناقدة سينمائية لمدة ٢٤ عاماً في ملحق "الدليل" في جريدة النهار. ورغم حبي للصحافة، إلّا أنني ومنذ أكثر من عشر سنوات، أخطّط للانتقال للكتابة السينمائية. اليوم أتمنى أن تُفتح أبواب إيجاد إنتاج لنصوصي بشكل أسهل، خصوصاً بعدما حقّق " ع مفرق طريق" نجاحاً كبيراً في الصالات اللبنانية، وقريباً سيتم افتتاحه في عدد من دول العالم مثل كندا واستراليا وغيرها من خلال شركة" الصباح "التي تتولى توزيعه في الخارج.
جوزفين حبشي وطاقم فيلم "ع مفرق طريق "
هل هناك رسالة معيّنة او مجموعة رسائل في فيلم "ع مفرق طريق "، وكيف تلخصّينها؟
رسائل الفيلم بسيطة مثله، وهو يسلّط الضوء من دون وعظ و " فلسفة" على أهمية العودة إلى الجذور والأرض و الحياة البسيطة والتقاليد والعادات القروية ، وسط طبيعة لبنانية ساحرة، تمنحنا الطاقة والاوكسيجين والسلام الداخلي، خصوصا ونحن محاصرون داخل قضبان مجتمع استهلاكي لاهث وراء الشهرة والمال والنجاح مهما كان الثمن.
بين الكتابة والنقد
بين كتابة السيناريو والنقد، أين تكمن الصعوبة والتحدي ؟
كتابة سيناريو فيلم وكتابة نقد عن فيلم أمران مختلفان تماماً، فليس كل ناقد يمكنه كتابة سيناريو، وليس كل كاتب سيناريو يستطيع أن يتحوّل ناقداً سينمائياً. أعتبر نفسي محظوظة أنني استطعت جمع الأمرين معاً،ومشاهدتي لآلاف الافلام خلال عملي كناقدة سينمائية لم يعلمني كيفية الكتابة، فالكتابة موهبة ، بل ساعدني في تطوير تقنية تركيب السيناريو. لقد لاحظت خلال عملي الطويل في النقد السينمائي أن الصعوبة لدى صنّاع الافلام تكمن في التوفيق بين عمل جاد وجيّد وذي قيمة فنية عالية ترضى الجمهور النخبوي والنقاد، ويَلقى في الوقت عينه استحسان الجمهور العريض. وهذا هو التحدي الذي راهّنا عليه في " ع مفرق طريق" ، فنجح الفيلم، في نيل إعجاب الجمهور النخبوي والعريض في الوقت عينه، لأنه بسيط وطريف وغير مبتذل ومقدّم بجودة ، في إطار جمالي ساحر، ومع مجموعة شخصيات ظريفة يجسدها ممثلون قديرون.
أنت ابنة المنطقة والبيئة التي تم تصوير الفيلم بها، هل كان الأمر مقصوداً؟
لا لم يكن مقصودا، ولكنه كان إضافة جيدة. فكرة الفيلم ليست لي ، بل للصديقين الممثل والمنتج شادي حداد والمنتج والمستشار الفني انطوان خليفة اللذين عرضاها علي ، ليس لأني ابنة المنطقة ، بل لمعرفتهما بنوعية كتاباتي، فنحن أصدقاء منذ فترة طويلة وسبق أن عملنا معا في السابق على سلسلة من نوع سيتكوم . عندما حدثاني عن ممثل سيلجأ إلى وادي قنوبين للابتعاد قليلاً عن صخب المدينة قبل سفره إلى روما حيث يستعد للقاء البابا تحضيرا لاداء دوره في فيلم عالمي، أعجبتني الفكرة، وزاد من حماستي أن أحداثه تدور في منطقة وادي قنوبين التي تعتبر امتداداً لبلدتي دير الأحمر. وطبعا كوني ابنة المنطقة، وعلى دراية كبيرة بطبيعتها، سهّل علّي تركيب الشخصيات بعاداتها وتقاليدها وأسلوب حياتها وطريقة تعبيرها.
جوزفين حبشي وأنطوان خليفة
النقد الذاتي
هل انتقدت نفسك عندما شاهدت الفيلم مع الجمهور، وماذا قالت جوزفين المشاهدة للكاتبة؟
عندما شاهدت الفيلم للمرة الأولى، كانت دموع التأثر هي الطاغية ،فهذا مولودي الأول يبصر النور. في المرة الثانية نسيت أنني الكاتبة، واستيقظت الناقدة في داخلي، وعلّقت على أمور عديدة ، ففي النهاية ليس هناك عمل كامل بشكل مطلق. لم أنتقد نفسي لأنني راضية بنسبة كبيرة عن نصّي، ولكن عادة ، الكتابة على الورق شيء، والتنفيذ على الأرض شيء اخر، والنتيجة قد تكون مفاجِئة بطريقة سارّة أو غير سارّة أحياناً، خصوصاً في حال تم اقتطاع أو تغيير بعض النصوص والمشاهد من دون العودة للكاتب. صحيح أن السيناريو هو الأساس لنجاح أي فيلم كما قال المخرج العالمي الفرد هيتشكوك، ولكن مهما كان النص جيداً، الفيلم ليس سيناريو فقط، بل إخراج وتصوير وتمثيل وإدارة ممثلين ومونتاج وإيقاع وموسيقى وإضاءة وصوت وديكور .الفيلم عمل كامل ومتكامل، وكل العناصر مهمة.
هل يمكن لكاتبة لديها الحس الفكاهي ان تصنع نصّاً درامّياً؟
كتابة نص كوميدي جيّد وغير مبتذل أصعب بكثير من كتابة نص درامي. لذلك نعم، السيناريست الذي يجيد كتابة نص كوميدي ، يستطيع بسهولة كتابة نص درامي، ولكني لست واثقة من أن العكس صحيح أيضا. وخير مثال على ما أقول، الكاتبتان منى طايع وكلوديا مرشليان اللتين نجحتا في النصوص الكوميدية والدرامية على حدّ سواء. على أية حال، ورغم ميلي للكوميديا عادة، إلا أنني سبق أن كتبت مسلسلين دراميين ونص سينمائي أيضاً، على أمل أن يتم تنفيذهم قريباً.
ما هي العلامات الفارقة في فيلم "ع مفرق طريق"؟
أهم ما يميّز هذا الفيلم أنّه منعش كنفحة أوكسيجين نظيف ، بمحتواه وصورته وشخصياته. الفيلم بعيد جداً عن التعقيد وسرّه في بساطته وطرافته الخالية تماما عن الابتذال، وشخصياته المحببة، وقصته التي تعيدنا إلى الطبيعة والجذور والأرض والعادات اللبنانية القروية الجميلة ، وصورته التي تنقل جمالية واحدةٍ من أكثر الديكورات الطبيعة البانورامية اللبنانية سحراً، أي منطقة وادي قنوبين والأرز في الشمال اللبناني .
خلال افتتاح الفيلم في بيروت
ورش كتابة السيناريو
ما رأيك فيما يسّمى اليوم ورشة كتابة سيناريو ومسلسلات؟ وهل تقبلين بالمشاركة فيها لو طُلب منك؟
أنا مع التفكير المشترك ( براين ستورمينغ) مع عدة أشخاص ، ولكن لا أعرف إذا كنت أستطيع الكتابة بشكل مشترك مع أحد، فأنا لم أجربها في السابق. على كل حال ، ورشة الكتابة قد تكون أمراً ايجابياً ومفيداً في حال استلم كل كاتب من مجموعة كتّاب الورشة، شخصية محدّدة وتابع تطويرها الدرامي من الألف الى الياء، خصوصاً أن كل شخصية يجب أن تكون مختلفة عن الأخرى تماماً.
نحن على مقربة من حفل الأوسكار ، اختاري لنا 5 أفلام تتوقعين لها الفوز؟
للأسف لم يتسّن لي مشاهدة كل الافلام المرشحة للأوسكار، لذلك لا أستطيع إعطاء رأيي. ما يؤسفني حقاً أن يغيب لبنان عن حفل الأوسكار هذه السنة بعدما استطعنا لسنتين متتاليتين أن ننافس بقوة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي من خلال فيلم زياد دويري " قضية رقم ٢٣" أولاً، ثم فيلم نادين لبكي " كفرناحوم".
ماذا بعد "ع مفرق طريق"؟
كما سبق أن ذكرت ، لدّي ٣ نصوص سينمائية جاهزة. الأول كوميدي بامتياز ، مستوحى من قصة شقيقي عندما كان في الثامنة عشرة من عمره ، ويجّسد مغامرات عاطفية لمجموعة شباب في بيروت بداية الألفية الثانية. الثاني درامي، تدور أحداثه في أحد أحياء منطقة الاشرفية في زمن الثورة، حيث سيجمع القدر شخصيات من جنسيات مختلفة، كانت قد اصطدمت في السابق أثناء الحرب. أمّا الثالث، فدراما كوميدية إنسانية، أبطالها مجموعة ممثلين تخّطوا سن الستين. هذا إضافة إلى مسلسل درامي ينطلق في زمن مستقبلي من ٣٠ حلقة قيد الكتابة، وآخر من النوع البوليسي التشويقي مّؤلف من ١٠ حلقات.